بدايات السفور في الشام
تؤكد الواقع أن مؤامرة السفور على المرأة المسلمة قد تمت ، ولم يحصل بعدها لا تقدم ولا تطور ! إضافة إلى أن الدين والأخلاق لم يسلما لمن طاوع العدو.
وواجب الأمة المسلمة اليوم بعد أن تكشفت لها الأمور ، أن لا تُلدغ من جحر واحد مرتين ، بل تأخذ بأسباب التقدم والتطور الدنيوي دون تفريط في عقيدتها وأخلاقها . وهذا أمر ميسور لمن أخلص النية وأصر على السير .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعد المؤرخ الشامي / عبد العزيز العظمة - رحمه الله - ( 1856-1943) فمن المؤرخين المخضرمين الذين أدركوا بلادهم قبل الاستعمار الفرنسي وأثناءه ، حيث سجل في كتابه الشهير \" مرآة الشام \" التغيرات التي طرأت على المجتمع بسبب الاستعمار النصراني ، ومن تقييداته التي تهمنا : قوله ( ص 74 ) :
( كانت النساء عند خروجهن من دورهن يتأزرن بمآزر بيضاء تسدل إلى وجه القدم، وكنّ يسترن وجوههن ببراقع (مناديل) ملونة لا يرى من ورائها الناظر شيئاً، تعلوهنّ الحشمة والوقار، ولا يجرؤ أحد على الدنوّ منهن ولو كان من ذوي القربى، لأن تكلم الرجل مع المرأة في الأسواق كان يعدّ من المعايب ).
ثم قال ( ص 75) مبينًا تدرج السفور في بلاده :
( ازدادت النسوة في التبرج حتى خلع بعضهن الحَبرة واستعاض عنها بالمعطف (بالطوسكاب) المختلف الألوان، ووضعن فوقه على رؤوسهن قطعة من النسيج الرقيق يسدلنها على وجوههن مقام البرقع، ووجودها وعدمه سواء، ثم أخذ البعض يتدرج حتى خلع الحبرة بالمرة، وبرزن إلى الأسواق سافرات بملابس الزينة وعلى رؤوسهن خمر رقيقة من الحرير يحاولن أن يسترن بها شعورهن –دون الغرة والجبين- وهيهات ذلك.
والباعث على هذا أولاً: دعاية سرت إلينا من مصر والروم بدعوى أن التستر غير مشروع، وأن منشأه عادة انتقلت إلينا من الأعاجم فاعتصم بها الرجال وأكرهوا النساء على استعمالها ظلماً وجوراً !!
ثانياً: انحطاط الأخلاق وتطور الآداب بصورة لم نكن نؤملها ولا من الأغيار فضلاً عن أنفسنا، نحن المأمورون بالحجاب، وإخفاء الزينة وعدم التبرج، فقد قال الله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ) وقال أيضاً: (وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجاب) وقال أيضاً: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهنَّ إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلا لبعولتهنَّ)، وقال أيضاً: (وقرن في بيوتكنَّ ولا تبرّجنَ تبرّج الجاهلية الأولى) إلى غير ذلك من الأوامر الإلهية المتحتم على المسلم إتباعها.
وقد أصبحنا - والعياذ بالله - نرى كل قديم منبوذاً ولو كان نافعاً، وكل حديث مرغوباً ولو كان ضاراً ، بلا تروّ ولا تمييز ولا منطق ولا محاكمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وفي الأيام الأخيرة قام بعض الرجال وأخذوا يحثون المرأة ويحرّضونها على خلع الحجاب والتمتع بنعمة السفور التي يعدّونها من لوازم التمدن، ونهض غيرهم وأبرق وأرعد، ونادى بالويل والثبور داعياً إلى إعادة الحجاب إلى ما كان عليه، وما زالت حرب الأقلام قائمة بين الفريقين.
ومن دواعي الأسف أن رؤساء حكومتنا هم من القسم الأول الذين يهيئون للمرأة أسباب السفور خلافاً لما كان يتصوره ويتأمله الناس ويتوهمونه من تمسكهم بأهداب الدين وتصلبهم فيه.
ونحن من القائلين بالحجاب، وما زال –والحمد لله – السواد الأعظم من الأمة على هذا الرأي، وأخيراً نهض الشيخ هاشم الخطيب وأخذ يعظ الناس ويحث النسوة على التستر المشروع ويحبب إليهن الإزار الأبيض الذي كنّ يستعملنه فيما سبق، ويشبههن بطيور الجنة، وقد أقبلت عليه الكثيرات، وشرعن يتأزرن بالمآزر البيضاء ويضعن على وجوههن الخمر (المناديل) ورعاً وتقوى ) . انتهى كلامه رحمه الله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفيه فوائد :
1- أن حال المرأة الشامية كان على لزوم ستر الوجه عن الأجانب قبل الاستعمار الفرنسي ، وهو دليل على ماحكاه العلماء رحمهم الله من إجماع المسلمين ( العملي ) على هذا الأمر .
2- أن مرضى القلوب من دعاة السفور عندما يريدون إقناع الناس بفسادهم يلجئون إلى كذبة متكررة ؛ وهي زعمهم أن ستر الوجه عادة طارئة على بلادهم ! فإن كانوا في الشام قالوا هي عادة قادمة من بعض \" الأعاجم \" ! كما سبق . وإن كانوا في بلاد عربية غيرها قالوا هي عادة \" سعودية \" ! ، وإن كانوا في السعودية قالوا : هي عادة \" نجدية \" ! أو \" وهابية \" ! وهكذا ..
المهم أنها عادة وليست شرعًا !! وتتغير هوية هذه العادة بحسب المكان المراد تغريب نسائه !
3- أن طلائع دعاة السفور هم من الرجال - كما سبق - وليس من النساء ! بل تأتي النساء المغرر بهن تبعًا لمدعي نصرة قضايا المرأة . وهذا مما يؤكد أن القضية لا تستثير المرأة بالمقدار الذي تستثير به \" بعض الرجال \" ممن لهم إربة ومقاصد من هذه الدعوة ؛ لذا تجد حماسهم لها أكثر من حماس النساء أنفسهن !
4- أن لا ييأس الدعاة والداعيات من حال النسوة اللواتي قد انجرفن مع هذه البدعة ، بل يصبروا ويواصلوا دعوتهن إلى العودة للفضيلة ؛ كما فعل الشيخ هاشم الخطيب - كما سبق - . وسيرون نتائج ذلك بإذن الله ؛ لأن النساء من طبعهن التأثر والإنابة إذا ما عوملن برفق ، وموعظة حسنة .
وقد رأينا في هذه السنين - ولله الحمد - عودة كبيرة إلى الحجاب الشرعي في بلدان شتى ، بعد أن ذاق الجميع ألم البعد عن الله وعن شرعه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكر نجم الدين الغزي في كتابه \" الكواكب السائرة \" حادثة إنكار أهل دمشق على من سمح لزوجته بالخروج كاشفة وجهها بدعوى أنها من \" القواعد \" ! ( انظر : المختار المصون ، للأستاذ محمد موسى شريف ، 2/812) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكر الأستاذ أنور الجندي - رحمه الله - في كتابه \" الفكر العربي المعاصر في معركة التغريب ..\" ( ص 625) نقلا مهمًا عن الكاتبة الأمريكية \" روث فرانستس \" نُشر في جريدة الأهرام ، بتاريخ ( 1938-2-27) بينت فيه أنه رغم الجهود المبذولة لتغريب المرأة السورية زمن الاستعمار الفرنسي ؛ إلا أن النتائج دون المأمول !
تقول : ( الحركة النسوية في سوريا أضعف منها في العراق ، مع أن عدد المتعلمات السوريات أكثر بكثير من المتعلمات العراقيات . والمرأة السورية تطورت في العشر سنوات الأخيرة ، ولكن تطورها كان مقصورًا على تنويع شكل النقاب لا القضاء عليه ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذكر الأستاذ محب الدين الخطيب - رحمه الله - في مجلته \" الفتح \" ( السنة الأولى ، ع 64 ) خبر محاولة تسيير أول مظاهرة نسائية في سوريا عام 1927م زمن الاستعمار الفرنسي ! وقد نشر الأستاذ ظافر القاسمي صورًا لهذه المظاهرة في كتابه \" مكتب عنبر \" ( 113-117) . والمظاهرات النسائية وسيلة استعملها المستعمر الغربي في عدة دول إسلامية بتواطؤ من أذنابه لتحقيق أهداف التغريب الذي يتم من خلال \" عقلية القطيع \" دون أي اعتراض ! كما بينت في رسالتي \" المشابهة بين قاسم أمين ودعاة تحرير المرأة \" .
والمؤلم أنه لا زال يمارس هذه الوسيلة ويُخطط لها من خلال سفاراته ! وسط رضى وتعاون من رجال ونساء الطابور الخامس ، الذين لا مانع عندهم من تسليم البلاد وثرواتها للمحتل في سبيل تحقيق شهواتهم الدنيئة .