الانتفاضة
السورية في الميزان
السورية في الميزان
كثر الحديث هذه الأيام عن تأخر النصر للانتفاضة
السورية و أسبابه
و نتيجة طول مدة حكم النظام السوري بأسلوبه المعروف
حيث يرمي بجميع مشاكله و أزماته على المؤامرة الخارجية
فقد تأثر بهذا الأسلوب دون شعور منهم البعض
من الشعب السوري بما في ذلك المعارضة
فاليوم المجتمع الدولي و جامعة الدول العربية واقعة
بين مطرقة النظام و سندان المعارضة فكلاهما
يرميهم بالتآمر عليه
و هذا التصرف يتسبب
بإطالة زمن الحل على حساب الدماء البريئة التي تراق و هذا يضر بالمنتفضين و
يؤدي إلى عدم الاهتداء للحل الصحيح
و هنا سوف أقوم بدراسة
هذه القضية و اترك للإخوة القراء الحكم
بداية سوف أسلط الضوء على الانتفاضات العربية
الأخرى لكي نستنتج الأسباب الصحيحة لتأخر انتصار الانتفاضة السورية
- الانتفاضة التونسية :
اجتمعت إرادة عدد كبير من الشعب التونسي و صممت
الوصول الى الساحة العامة الرئيسية للعاصمة التونسية و صمدت هذه الإرادة في وجه
جميع محاولات النظام لتفريقهم و بسبب وجود بعض
الانفتاح لدى النظام التونسي سمح بلقاء دبلوماسيو الدول الكبرى بالقادة العسكريين
و السياسيين من اجل الاطمئنان على ضبط الأوضاع بعد رحيل النظام فاتخذت تلك الدول
موقفا حازما مع راس السلطة فانكسرت إرادة النظام أمام تصميم
هذه الجموع التي ساندتها الدول الفاعلة في الساحة الدولية
و من الإنصاف الاعتراف بأنه كان لتحلي الرئيس
السابق زين العابدين بن علي و بعض القادة السياسيين و الجيش بشئ من العقلانية و
الشعور بالمسؤولية دور كبير في عدم إطالة زمن الأزمة و حقن كثير من الدماء
-الانتفاضة المصرية :
اجتمعت إرادة عدد كبير من الشعب المصري و
صممت الوصول إلى الساحة العامة الرئيسية للعاصمة المصرية و
صمدت هذه الإرادة في وجه جميع محاولات النظام لتفريقهم و
بسبب وجود بعض الانفتاح لدى النظام المصري سمح بلقاء دبلوماسيو الدول الكبرى
بالقادة العسكريين و السياسيين من اجل الاطمئنان على ضبط الأوضاع بعد رحيل النظام
فاتخذت تلك الدول موقفا حازما مع
راس السلطة فانكسرت إرادة النظام أمام تصميم هذه الجموع التي
ساندتها الدول الكبرى
و من الإنصاف الاعتراف بأنه كان لتحلي الرئيس
السابق حسني مبارك و بعض القادة السياسيين و الجيش بشئ من العقلانية و
الشعور بالمسؤولية دور كبير في عدم إطالة زمن الأزمة و حقن كثير من الدماء
-الانتفاضة الليبية :
اجتمعت إرادة عدد كبير من الشعب الليبي و صممت الوصول
الى الساحة العامة الرئيسية لبنغازي المدينة الثانية في ليبيا و صمدت هذه الإرادة أمام
القسوة المفرطة التي استخدمها النظام الليبي
مما أدى إلى حصول انشقاق بعض القيادات العسكرية و السياسية العالية المستوى و
انضمامهم إلى المنتفضين مما أدى إلى عسكرت الانتفاضة و شكلت هذه القيادات بالإضافة إلى
قيادة المنتفضين مجلس انتقالي التف حوله
المنتفضون و كان هؤلاء القادة يتمتعون بالاعتدال و القبول لدى المجتمع الدولي و
القدرة على ضبط الأوضاع و طلبوا المساعدة الدولية فتم تلبية طلبهم فانتصروا على
كتائب القذافي و سيطروا على طرابلس العاصمة
و كان لعناد القذافي و تشبثه الكبير بالسلطة و عدم
الشعور بالمسؤولية و عدم قراءة الواقع قراءة صحيحة دور كبير في إطالة زمن الأزمة و
إراقة الكثير من الدماء و التسبب بأضرار كبيرة في البنية التحتية
-الانتفاضة اليمنية :
اجتمعت إرادة عدد كبير من الشعب اليمني و صممت
الوصول إلى الساحة العامة الرئيسية للعاصمة اليمنية و صمدت هذه الإرادة و بسسب
التركيبة القبلية لليمن أدى إلى حصول انشقاق في
القيادات العسكرية و السياسية العالية المستوى و انضمامهم إلى المنتفضين مما أدى إلى
تقسيم اليمن إلى قسمين
و تحلي القيادات اليمنية بالحكمة أدى إلى
عدم اندلاع حرب أهلية و حقن كثير من الدماء
فمن وجهة نظري حاليا لا يوجد نظام واحد حاكم في
اليمن و المشكلة لا تنتهي بتنحي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح فلو تنحى الرئيس
اليمني دون التوافق مع القبائل المؤيدة له فسوف ينقلبون عليه و يتهمونه بالخيانة و
ربما يكون ذلك سببا لاندلاع حرب أهلية
فالأمر يتعلق بتوافق الأطراف المتصارعة على حل
وسط يرضي جميع الأطراف
-الانتفاضة السورية :
انطلقت من درعا بسبب تصرفات استفزازية من النظام
و انتقلت إلى باقي المناطق و المحافظات و
لكنها لم تحقق النصر رغم مرور أكثر من ثمانية اشهر للأسباب التالية :
- مظاهرات كثيرة و لكنها صغيرة و متقطعة أي لا
تصل إلى العدد الكافي لقلب نظام و لا
تستمر في الساحات العامة
فحتى الآن لم تقم مظاهرة ضخمة وصلت و صمدت في
الساحة العامة للعاصمة السياسية دمشق أو في حلب المدينة الثانية في سوريا ذات
الثقل الاقتصادي و السكاني كما حدث في بقية الانتفاضات العربية
فلم تقم مظاهرات كبيرة اي بمئات الآلاف سوى في
حماة و ربما في دير الزور و لم تصمد طويلا حيث نجح
النظام بتفريقها
و غالبا يقوم النظام
في تفريق المتظاهرين بإطلاق نار كثيف في
الهواء و قتل عدد من المتظاهرين بطريقة مدروسة و منهجية
و هذا الشكل من
المظاهرات يحدث جروح تؤلم النظام و ترهقه على المدى
الطويل و لكنها لا تقتله إلا إذا استمرت لمدة
طويلة
قد يقول قائل هذا
بسبب القسوة المفرطة و القبضة الحديدية للنظام السوري
و الجواب حقا أن النظام السوري من أسوء الأنظمة
الاستبدادية في العالم و لكن جميع الأنظمة
الاستبدادية تستخدم القسوة المفرطة في البداية و لكن الإرادة القوية و الصلبة
لجموع غفيرة من الشعب في وقت محدد و مكان محدد تهزم اعتى الأنظمة
الاستبدادية
فالصراع هو صراع إرادات فعندما تكون مجموع قوى إرادة
الشعب المنتفض أقوى من مجموع قوى إرادة النظام المتشبس
بالكرسي فسوف تنكسر إرادة النظام و
العكس صحيح
- القبضة الحديدية و الانغلاق للنظام
السوري فلم ينجح دبلوماسيو الدول الكبرى من الوصول إلى
القيادات العسكرية و السياسية العليا في سوريا و إقناعهم بضرورة التخلي عن هذا
النظام و ترتيب انتقال آمن للسلطة من اجل اتخاذ إجراءات
صارمة ضد راس النظام
- موت الضمير أو الانخداع بنظرية المؤامرة أو
تفضيل المصالح المادية الضيقة على الكرامة لدى اغلب القيادات العليا في النظام
السوري بالإضافة إلى اغلب علماء الدين و التجار
-الأغلبية الصامتة
-التأخر في تشكيل مجلس وطني كفؤ يمثل المنتفضون كبديل
للنظام لكي يتعامل و يتحاور معه المجتمع الدولي
-الاختلاف بين أطياف المعارضة و تفرقها
-قلة الخبرة السياسية و الإدارية لدى
المعارضة بسبب تهميش النظام لها خلال الفترة الماضية
-استطاع النظام
السوري و بطريقة منهجية خلخة المجتمع السوري و تهجير و نزع الثقة من القيادات
المدنية للمجتمع و إيجاد انحرافات سلوكية خطيرة في بعض أفراده و هذا يظهر من خلال
انعدام الثقة بين أفراد المجتمع و كثرة المعتقلين و خاصة النشطاء و كذلك من خلال
القسوة المفرطة و التصرفات المهينة مع المتظاهرين و منع المساعدات عنهم و الإجهاز
على الجرحى من قبل الأمن و الشبيحة و الجيش فهؤلاء من الشعب و ليسوا من كوكب آخر
و قد شجع المجتمع الدولي و تركيا و دول الخليج الأغلبية
الصامتة و القيادات كثيرا على الانشقاق و الخروج عن صمتهم عن طريق الدعم السياسي و
الإعلامي للانتفاضة السورية و فرض عقوبات على النظام و لكنهم لم يفلحوا
فاللوم يجب أن يوجه لهؤلاء و ليس للمجتمع الدولي أو الجامعة العربية
فالحل الصحيح توجيه الجهود و بذلها في معالجة الأسباب
السابقة الذكر
و الاستفادة من أصحاب الخبرة في السياسة من
الدول المؤيدة للانتفاضة
و طلب مساعدة الآخرين بطريقة لائقة و صريحة
و واضحة و رسمية و من خلال الأبواب و ليس من
خلال الإعلام أو بطريقة استعلائية مستفزة
و توجيه الشكر لكل من يقوم بأي دعم مادي أو معنوي
أو سياسي أو إعلامي أو فكري أو دبلوماسي ....
بدلا من أسلوب توزيع
الاتهامات على الجهات الخارجية فتبرئة
مائة متهم خير من اتهام برئ
و سوف انشر بموضوع مستقل اقتراح الحل
الأمثل لنجاح الانتفاضة السورية
الكاتب : عبدالحق صادق